الأصل في العبادة المسارعة
فالأصل في العبادة المسارعة , وأن يعلم العبدُ أَنَّ أنفاسه معدودة , وأنَّ لحظاته موقوفة إمّا على طاعة ؛ وإمّا على تفريط وإضاعة .
ولذلك نرى أن المسارعة من صفات المؤمنين كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا
سَابِقُونَ (61) } [ سورة المؤمنون : 60-61 ] .
فهؤلاء مُقَرَّبُون , وفي البرِّ منغمسون , وبطاعة ربهم منشغلون , ورغم
ذلك فهم خائفون وجلون , فلمّا لم يمنعهم مانع عن فعلهم , ويشغلهم شاغل عن
ذكرهم , وجَدُّوا في السير ؛ أثنى الله عليهم , وأثبت فعلهم , ومدح عملهم .
وكما ذكر سبحانه عن أنبيائه ورسله : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا
خَاشِعِينَ (90) } [ سورة الأنبياء : 90 ] .
وكما أثنى سبحانه على عباده الصالحين ؛ وأوليائه المتقين , بقوله سبحانه
وتعالى : {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) } [ سورة آل عمران :
114 ] .
ولقد أمر الله سبحانه بالمسابقة , والمنافسة في الطاعات , وبالمسارعة والجد إلى الجنّات .
قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } [
سورة آل عمران : 133 ] .
وقال تعالى : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [ سورة الحديد : 21 ] .
وقال تعالى : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [ سورة البقرة : 148 ] .
وقد جعل الله أعلى المنازلِ في الجنّات ؛ لأهل السبق في الخيرات , كما قال
تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
(11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13)
وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14)} [ سورة الواقعة : 10-14 ] .
وقد حَثََّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسارعة لفعل الخيرات , وتدارك المهمات قبل فوات اللحظات .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا
لَنَا , فَقَالَ : مَا هَذَا فَقُلْنَا : قَدْ وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ
, قَالَ : مَا أَرَى الْأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ .( 1)
فالنجاة من الفتن لزوم الطاعة والثبات عليها , فالمسارعة في وقت الأمان ينجي عند وقوع البلاء .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ , يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا , أَوْ
يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا , يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ
الدُّنْيَا .(2 )
فالبدار البدار والوحا الوحا قبل فوات الأوان , وقبل قدوم الفتن وتعذر
الطّاعة والإيمان , وهوان المعاصي والآثام , حتى تعم الزمان والمكان ,
فإنَّه سيأتي الزمان الذي يتقلب فيه العبد لا بين معصية وطاعة , وإنما
يتقلب بين كفر وإيمان .
فلابد للعبد أن يدفع نفسه للطاعات دفعًا , وأن يجعل رأس ماله من الأيام
والليالي إيمانًا يدفع به الضلال , وعِلمًا يزيل به الجهل , فلا شيء أغلى
من وقتٍ ينفق في طاعة الله , وصحةٍ يعمل فيها بأمر الله .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ : الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ .( 3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى
اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ , وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ , احْرِصْ
عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ , وَإِنْ
أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا
, وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ , فَإِنَّ لَوْ
تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ .( 4)
فالواجب على العبد أن يتقدم ولا يتأخر , ويمضي ولا يلتفت , ويطرق أبواب الخير فما فتح له من بابٍ فليلزمه ؛ ويدعو الله بالثبات .
عن خالد بن معدان قال : إذا فَتَحَ أَحَدُكُم بَابَ خيرٍ ؛ فليسرع إليه فإنه لا يدري متى يُغلق عنه .
و قال أيضا : العَيْنُ مَالٌ والنَّفْسُ مَالٌ , وخيرُ مَالِ العبدِ ما
انتفع به وابتذله , وشَرُّ أموالك ما لا تراه , ولا يراك , وحسابه عليك
ونفعه لغيرك .(5 )
ومما يُؤْثَرُ أن عبد الله العُمَرِيّ العابد , أنه كتب إلى مالكٍ يحضه
على الانفراد والعمل , فكتب إليه مالك : إن الله قَسَمَ الأَعْمَالَ كما
قَسَمَ الأرزاق , فَرُبَّ رَجُلٍ فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ,
وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم , وآخر فتح له في الجهاد ,
فَنَشْرُ العلم من أفضل أعمال البر , وقد رضيت بما فُتِحَ لي فيه , وما
أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه , وأرجو أن يكون كلانا على خيرٍ وبر .(6 )
وإذا فُتح هذا الباب فليلزمه ؛ حتى في زمن الفترة والتعب والملل , حتى لا يُحْبَس عليه ولا يستطيع مواصلة السير .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً , وَلِكُلِّ
شِرَّةٍ فَتْرَةٌ , فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ
أَفْلَحَ , وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ
.( 7)
فإن النَّفس إذا عُودت على التباطؤ كلَّت وملَّت , وألزمت صاحبها بالرُّخص حتى تبتعد عن الطريق .
عن عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر قال : بِتُّ عند أحمد بن حنبل رحمه
الله ؛ فوضع لي صاغرة( ماء , قال : فلما أصبحت وجدني لم استعمله , فقال
: صاحب حديث لا يكون له وردٌ بالليل , قال : قلت مسافر , قال : وإن كنت
مسافر , حج مسروقٌ فما نام إلا ساجدا .(9 )
وليحذر العبد من التسويف والتباطؤ فمن خاف عدوًا فر منه , ومن أراد خيرًا سعى إليه , ومن طلب العُلى سَهِر الليالي .
عن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ , وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ
الْمَنْزِلَ , أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ , أَلَا إِنَّ
سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ .(10 )
عن هشام بن حسان قال : قال الحسن البصري : والله لقد أدركنا أقوامًا
وصحبنا طوائف ؛ إن كان الرجل منهم ليمسي وعنده من الطعام ما يكفيه , ولو
شاء لأكله فيقول : والله لا أجعل هذا كله في بطني حتى أجعل بعضه لله ,
فيتصدق ببعضه , والله لقد أدركنا أقوامًا وصحبنا طوائف ما كانوا يبالون
أشرَّقت الدنيا أم غربت , والله الذي لا إله غيره لهي أهون عليهم من
التُّراب الذي يمشون عليه .(11 )
وقال أيضًا : المؤمن يُصبح حزينًا ويمسي حزينًا ويتقلب في الحزن , ويكفيه ما يكفي العنيزة .( 12)
قال فضيل الرَّقاشي : يا هذا ! لا يشغلنك كثرة النَّاس عن نفسك , فإن
الأمر يخلص إليك دونهم , ولا تقل أذهب ها هنا وها هنا ليذهب عليَّ النهار
؛ فإنه محفوظٌ عليك , ولم نر شيئًا قط أحسن طلبًا ولا أسرع إدراكًا من
حسنةٍ حديثة لذنب قديم .( 13)
هدي السلف في المسارعة
أخي الحبيب : مهما حاول العبد أن يصف أحوالهم وأن يتندر بسيرهم ؛ فالعقل
يحار , واللِّسان يعجز , واليد تخفق في ذكر محاسنهم ومآثرهم ولا يتم
البيان ! فكيف يكون الوصف بعد وصف الله لهم ! كما قال تعالى : {مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي
الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [سورة الفتح : 29]
فتأمل هذا الوصف البديع لهذه الكوكبة من الصحابة من المهاجرين والأنصار ,
ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بأكمل الصفات , وأجلِّ الأحوال ,
وأنهم جادون مجدون في نصرت دينهم , ساعون في ذلك بغاية جهدهم , فليس
للكفار منهم إلا الغلظة والشِّدة , فلذلك ذَلَّ أعداؤهم , وانكسر مخالفوهم
, ومع ذلك فهم رحماء متحابون بينهم , متعاطفون كالجسد الواحد , يحب أحدهم
لأخيه ما يحبه لنفسه , هذه معاملتهم مع الخلق !! أمَّا معاملتهم مع الخالق
فإنك تراهم ركعا سجدًا بكثرة صلاتهم التي هي العلامة والدلالة على تمام
العبودية لله سبحانه وتعالى , حتى أنك تر أثر العبادة وحسنها على وجوههم ,
فترى النور يشع منها فلما استنار باطنهم بالعبادة استنار الظاهر بالجلال
والهيبة والعظمة , حتى أنك ترى وصفهم في الكتب السابقة , فالوصف السابق في
التوراة , وأما في الإنجيل فهم كزرع نما وثبت واستقام , يُعْجِبُ من حسنه
الزرّاع لشدة انتفاعهم به , كذلك الصحابة في انتفاع الخلق بهم , وهم مع
قوتهم واجتماعهم يهابهم الأعداء , وقد جمع الله لهم الإيمان والعمل الصالح
والمغفرة والأجر العظيم في الدنيا والآخرة .
يـا عـاذلَ المُشتـاقِ دَعــهُ فَـإِنَّـهيطوى عَلى الزَّفَراتِ غَيْرَ حَشَاكا
لَـو كـانَ قَلبُـكَ قَلـبَـهُ مــا لُمْـتَـهُحَـاشَـاكَ مـمَّـا عِـنـدَهُ حَـاشَـاكـا
لقد كان السَّلف رضي الله عنهم أسرع الخلق لفعل الطاعات والمسابقة لرضى رب
البريات سبحانه وتعالى وكيف لا يكون ذلك وقد رأوا من نبيهم من المسارعة ما
سبق به من قبله وأعجز من بعده صلى الله عليه وسلم .
هدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسارعة
انظر إلى هديه صلى الله عليه وسلم في المسارعة لفعل الخيرات .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ , فَسَلَّمَ ثُمَّ
قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ
نِسَائِهِ , فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ,
فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ : ذَكَرْتُ شَيْئًا
مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ
بِقِسْمَتِهِ .(14 )
فانظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم لما تذكر شيئا من الصدقة أسرع وبادر
إلى إخراجه صلى الله عليه وسلم , حتى فزع الصحابة لسرعته صلى الله عليه
وسلم , بل في جميع الطاعات وكل القربات كان صلى الله عليه وسلم له السبق
رغم أن الله غفر ذنبه ومحا خطاياه .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى
تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ , فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ , قَالَ : أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا
, فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ .( 15)
أخي الحبيب : هذا نداء رب العالمين , ومنهج خير المرسلين في المسارعة لفعل
الخيرات , والمسابقة بالطاعات , وكذلك كان الصحابة ومن بعدهم أحرص الناس
على ذلك .
أبوبكر رضي الله عنه
وهذا أبو بكر رضي الله عنه ضرب أعظم المثل في المسابقة والمسارعة لفعل الخيرات ؛ حتى أعجز من بعده أن يلحق به .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا , قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا , قَالَ : فَمَنْ تَبِعَ
مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: أَنَا , قَالَ : فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ
الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا
, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا
اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ .(16 )
بين أبي بكر وعمر
وهذا عمر يتمنى أن يسبق أبا بكر يومًا في طاعة ؛ فما استطاع إلى ذلك سبيلا .
عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَال : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
يَقُولُ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا , فَقُلْتُ : الْيَوْمَ
أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا , قَالَ : فَجِئْتُ
بِنِصْفِ مَالِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ : مِثْلَهُ , وَأَتَى
أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ , فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ مَا
أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ؟ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ,
قُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا .(17 )
ويحاول عمر أن يسبق أبا بكر ببشارة لعبد الله بن مسعود , فيجد أبا بكر قد سبقه إليها .
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا
مَعَهُ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَخَرَجْنَا مَعَهُ , فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ ,
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ
قِرَاءَتَهُ , فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ
الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ
أُمِّ عَبْدٍ , قَالَ : ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو , فَجَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ : سَلْ
تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ , قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ :
وَاللَّهِ لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُبَشِّرَنَّهُ , قَالَ :
فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ
سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَبَشَّرَهُ , وَلَا وَاللَّهِ مَا سَبَقْتُهُ إِلَى
خَيْرٍ قَطُّ ؛ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ .( 18)
فقد كانا رضي الله عنهما في منافسة مستمرة ومسارعة للخير حتى أصبح الأمر
عندهما يقين فلا تتدافع إليهما الوساوس والظنون والغائب حاضر والأمر
عندهما مصدق رضي الله عنهما .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى
بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا ,
خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ , قَالَ : آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ , وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً , فَتَبِعَهَا الرَّاعِي , فَقَالَ
لَهُ الذِّئْبُ : مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا
غَيْرِي ؟! قَالَ : آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ , قَالَ
أَبُو سَلَمَةَ : وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ .( 19)
عثمان رضي الله عنه
وهذا عثمان رضي الله عنه ؛ ما من سبيل فيه مسابقة إلا وكان في المقدمة .
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ , قَالَ : لَمَّا حُصِرَ
عُثْمَانُ , أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمَّ قَالَ :
أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءَ حِينَ
انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
اثْبُتْ حِرَاءُ , فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ
شَهِيدٌ ؟! قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ : مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً
وَالنَّاسُ مُجْهَدُونَ مُعْسِرُونَ , فَجَهَّزْتُ ذَلِكَ الْجَيْشَ ؟!
قَالُوا : نَعَمْ . ثُمَّ قَالَ : أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْرَ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ
إِلَّا بِثَمَنٍ ؛ فَابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
وَابْنِ السَّبِيلِ ؟! قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , وَأَشْيَاءَ
عَدَّدَهَا .( 20)
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه
وهذا عليٌ رضي الله عنه ؛ يَشْهَدُ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقبولِ والفتح .
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ :
لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ,
فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى , فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ
يَرْجُو أَنْ يُعْطَى , فَقَالَ : أَيْنَ عَلِيٌّ ؟ فَقِيلَ : يَشْتَكِي
عَيْنَيْهِ , فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ
مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ , فَقَالَ :
نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا , فَقَالَ : عَلَى رِسْلِكَ
حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ , ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ,
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ , فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى
بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ .(21 )
أبو دجانة رضي الله عنه :
وهذا أبو دُجَانَة رضي الله عنه ؛ يقفُ مع الصَّحَابةِ في موضعِ منافسةٍ فيكون له السَّبقُ في ذلك .
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا ,
فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ : أَنَا أَنَا
, قَالَ : فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ ؛ قَالَ : فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ ,
فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ : أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ
, قَالَ : فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ .( 22)
عكَّاشة بن محصن رضي الله عنه :
وهذا عكَّاشة بن محصن رضي الله عنه حينما يسمع عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ؛ سارع بطلب الدعاء أن يكون منهم .
عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ
إِضَاءَةَ الْقَمَرِ , فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ
يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ قَالَ : ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ
مِنْهُمْ , ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَقَالَ : رَسُولُ
اللَّهِ سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ .( 23)
صحابيٌّ أنصاري :
وهذا رجل من الأنصار يسابقُ إلى إكرام ضيف رسول الله صلى الله عليه , دون أن يَعْلَمَ ما عنده من طعام .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ
فَقُلْنَ : مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ , فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا , فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى
امْرَأَتِهِ , فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي
, فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي
صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً , فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا
وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا , ثُمَّ قَامَتْ
كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ , فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ
أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ , فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ :
ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا , فَأَنْزَلَ
اللَّهُ : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}
.(24 )
سُهيل بن عمرو رضي الله عنه :
وهذا سُهيل بن عمرو - والد أبي جندل - وكان من سادات قريش وخطبائهم ,
تدارك ما فات من عمره في الكفر , وسارع لرضا الله سبحانه وتعالى حتى نال
مكرمة عظيمة عند المسلمين .
فمن حِلْمِهِ وصحة إسلامه ؛ أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش ؛ فيهم أبو
سفيان , فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم , واستأذن بعدهم فقراءٌ من
المسلمين فأذن لهم , فقال أبو سفيان : عجبًا يؤذن للمساكين والموالي ؛
وكبار قريش واقفون , فقال سهيل : اغضبوا على أنفسكم ! فإن الله دعا هؤلاء
فأسرعوا , ودعاكم فأبطأتم , والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خيرٌ من
هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب , ولا أرى أحدا منكم يلحق بهم إلا أن
يخرج إلى الجهادِ لعل الله يرزقه الشهادة , فخرج سريعا إلى الشام رضي الله
عنه . وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يُقرئه القرآن فعَيَّره بعضُ
قريشٍ , فقال سهيل : هذا والله الكِبر الذي حال بيننا وبين الخير .( 25)
وكان سهيلٌ بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة , خرج بجماعته إلى الشام
مجاهدا . ويقال : إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير , وكان كثير البكاء
إذا سمع القرآن . وكان أميرًا على كردوس ( 26) يوم اليرموك .
قال المدائني وغيره : واستشهد يوم اليرموك , وقيل مات في طاعون عمواس .(27)
[من كتاب العبادة واجتهاد السلف للشيخ حفظه الله]
( 1) صحيح : رواه الترمذي (2335) وقال : حديث حسن صحيح , وأبو داود (4558) وابن ماجة (4160) وأحمد (2/161)
(2 ) رواه مسلم (118)
(3 ) رواه البخاري (6412)
( 4) رواه مسلم (2664)
( 5) سير أعلام النبلاء (4/540)
(6 ) سير أعلام النبلاء (8/114)
( 7) حسن : رواه أحمد (2/188)
( إناء يوضع فيه الماء
( 9) البيهقي"شعب الإيمان" (3/166)
(10 ) حسن : رواه الترمذي (2450) , الحاكم (4/308) وصححه ووافقه الذهبي انظر الصحيحة (2335)
( 11) حلية الأولياء (6/272)
( 12) حلية الأولياء (6/271)
( 13) البيهقي "الزهد الكبير" (781)
(14 ) رواه البخاري (851)
(15 ) رواه البخاري (4837) مسلم (2820)
(16 ) رواه مسلم (1028)
(17 ) حسن : رواه الترمذي (3675) الدارمي (1660)
(18 ) حسن : رواه أحمد (1/25)
(19 ) رواه البخاري (2324) مسلم (2388)
( 20) حسن : رواه الترمذي (3699) النسائي (6/263) أحمد (1/187-188-189) , انظر الصحيحة (875)
( 21) رواه البخاري (2942) مسلم (2406)
(22 ) رواه مسلم (2470)
(23 ) رواه البخاري (5811) مسلم (216)
(24 ) رواه البخاري (3798) مسلم (2054)
(25 ) ابن العماد "شذرات الذهب" (1/30)
(26 ) الطائفة العظيمة من الجيش .
( 27) سير أعلام النبلاء (195)
فالأصل في العبادة المسارعة , وأن يعلم العبدُ أَنَّ أنفاسه معدودة , وأنَّ لحظاته موقوفة إمّا على طاعة ؛ وإمّا على تفريط وإضاعة .
ولذلك نرى أن المسارعة من صفات المؤمنين كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا
سَابِقُونَ (61) } [ سورة المؤمنون : 60-61 ] .
فهؤلاء مُقَرَّبُون , وفي البرِّ منغمسون , وبطاعة ربهم منشغلون , ورغم
ذلك فهم خائفون وجلون , فلمّا لم يمنعهم مانع عن فعلهم , ويشغلهم شاغل عن
ذكرهم , وجَدُّوا في السير ؛ أثنى الله عليهم , وأثبت فعلهم , ومدح عملهم .
وكما ذكر سبحانه عن أنبيائه ورسله : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا
خَاشِعِينَ (90) } [ سورة الأنبياء : 90 ] .
وكما أثنى سبحانه على عباده الصالحين ؛ وأوليائه المتقين , بقوله سبحانه
وتعالى : {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) } [ سورة آل عمران :
114 ] .
ولقد أمر الله سبحانه بالمسابقة , والمنافسة في الطاعات , وبالمسارعة والجد إلى الجنّات .
قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } [
سورة آل عمران : 133 ] .
وقال تعالى : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [ سورة الحديد : 21 ] .
وقال تعالى : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [ سورة البقرة : 148 ] .
وقد جعل الله أعلى المنازلِ في الجنّات ؛ لأهل السبق في الخيرات , كما قال
تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
(11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13)
وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14)} [ سورة الواقعة : 10-14 ] .
وقد حَثََّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسارعة لفعل الخيرات , وتدارك المهمات قبل فوات اللحظات .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا
لَنَا , فَقَالَ : مَا هَذَا فَقُلْنَا : قَدْ وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ
, قَالَ : مَا أَرَى الْأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ .( 1)
فالنجاة من الفتن لزوم الطاعة والثبات عليها , فالمسارعة في وقت الأمان ينجي عند وقوع البلاء .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ , يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا , أَوْ
يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا , يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ
الدُّنْيَا .(2 )
فالبدار البدار والوحا الوحا قبل فوات الأوان , وقبل قدوم الفتن وتعذر
الطّاعة والإيمان , وهوان المعاصي والآثام , حتى تعم الزمان والمكان ,
فإنَّه سيأتي الزمان الذي يتقلب فيه العبد لا بين معصية وطاعة , وإنما
يتقلب بين كفر وإيمان .
فلابد للعبد أن يدفع نفسه للطاعات دفعًا , وأن يجعل رأس ماله من الأيام
والليالي إيمانًا يدفع به الضلال , وعِلمًا يزيل به الجهل , فلا شيء أغلى
من وقتٍ ينفق في طاعة الله , وصحةٍ يعمل فيها بأمر الله .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ : الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ .( 3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى
اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ , وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ , احْرِصْ
عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ , وَإِنْ
أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا
, وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ , فَإِنَّ لَوْ
تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ .( 4)
فالواجب على العبد أن يتقدم ولا يتأخر , ويمضي ولا يلتفت , ويطرق أبواب الخير فما فتح له من بابٍ فليلزمه ؛ ويدعو الله بالثبات .
عن خالد بن معدان قال : إذا فَتَحَ أَحَدُكُم بَابَ خيرٍ ؛ فليسرع إليه فإنه لا يدري متى يُغلق عنه .
و قال أيضا : العَيْنُ مَالٌ والنَّفْسُ مَالٌ , وخيرُ مَالِ العبدِ ما
انتفع به وابتذله , وشَرُّ أموالك ما لا تراه , ولا يراك , وحسابه عليك
ونفعه لغيرك .(5 )
ومما يُؤْثَرُ أن عبد الله العُمَرِيّ العابد , أنه كتب إلى مالكٍ يحضه
على الانفراد والعمل , فكتب إليه مالك : إن الله قَسَمَ الأَعْمَالَ كما
قَسَمَ الأرزاق , فَرُبَّ رَجُلٍ فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ,
وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم , وآخر فتح له في الجهاد ,
فَنَشْرُ العلم من أفضل أعمال البر , وقد رضيت بما فُتِحَ لي فيه , وما
أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه , وأرجو أن يكون كلانا على خيرٍ وبر .(6 )
وإذا فُتح هذا الباب فليلزمه ؛ حتى في زمن الفترة والتعب والملل , حتى لا يُحْبَس عليه ولا يستطيع مواصلة السير .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً , وَلِكُلِّ
شِرَّةٍ فَتْرَةٌ , فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ
أَفْلَحَ , وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ
.( 7)
فإن النَّفس إذا عُودت على التباطؤ كلَّت وملَّت , وألزمت صاحبها بالرُّخص حتى تبتعد عن الطريق .
عن عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر قال : بِتُّ عند أحمد بن حنبل رحمه
الله ؛ فوضع لي صاغرة( ماء , قال : فلما أصبحت وجدني لم استعمله , فقال
: صاحب حديث لا يكون له وردٌ بالليل , قال : قلت مسافر , قال : وإن كنت
مسافر , حج مسروقٌ فما نام إلا ساجدا .(9 )
وليحذر العبد من التسويف والتباطؤ فمن خاف عدوًا فر منه , ومن أراد خيرًا سعى إليه , ومن طلب العُلى سَهِر الليالي .
عن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ , وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ
الْمَنْزِلَ , أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ , أَلَا إِنَّ
سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ .(10 )
عن هشام بن حسان قال : قال الحسن البصري : والله لقد أدركنا أقوامًا
وصحبنا طوائف ؛ إن كان الرجل منهم ليمسي وعنده من الطعام ما يكفيه , ولو
شاء لأكله فيقول : والله لا أجعل هذا كله في بطني حتى أجعل بعضه لله ,
فيتصدق ببعضه , والله لقد أدركنا أقوامًا وصحبنا طوائف ما كانوا يبالون
أشرَّقت الدنيا أم غربت , والله الذي لا إله غيره لهي أهون عليهم من
التُّراب الذي يمشون عليه .(11 )
وقال أيضًا : المؤمن يُصبح حزينًا ويمسي حزينًا ويتقلب في الحزن , ويكفيه ما يكفي العنيزة .( 12)
قال فضيل الرَّقاشي : يا هذا ! لا يشغلنك كثرة النَّاس عن نفسك , فإن
الأمر يخلص إليك دونهم , ولا تقل أذهب ها هنا وها هنا ليذهب عليَّ النهار
؛ فإنه محفوظٌ عليك , ولم نر شيئًا قط أحسن طلبًا ولا أسرع إدراكًا من
حسنةٍ حديثة لذنب قديم .( 13)
هدي السلف في المسارعة
أخي الحبيب : مهما حاول العبد أن يصف أحوالهم وأن يتندر بسيرهم ؛ فالعقل
يحار , واللِّسان يعجز , واليد تخفق في ذكر محاسنهم ومآثرهم ولا يتم
البيان ! فكيف يكون الوصف بعد وصف الله لهم ! كما قال تعالى : {مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي
الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [سورة الفتح : 29]
فتأمل هذا الوصف البديع لهذه الكوكبة من الصحابة من المهاجرين والأنصار ,
ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بأكمل الصفات , وأجلِّ الأحوال ,
وأنهم جادون مجدون في نصرت دينهم , ساعون في ذلك بغاية جهدهم , فليس
للكفار منهم إلا الغلظة والشِّدة , فلذلك ذَلَّ أعداؤهم , وانكسر مخالفوهم
, ومع ذلك فهم رحماء متحابون بينهم , متعاطفون كالجسد الواحد , يحب أحدهم
لأخيه ما يحبه لنفسه , هذه معاملتهم مع الخلق !! أمَّا معاملتهم مع الخالق
فإنك تراهم ركعا سجدًا بكثرة صلاتهم التي هي العلامة والدلالة على تمام
العبودية لله سبحانه وتعالى , حتى أنك تر أثر العبادة وحسنها على وجوههم ,
فترى النور يشع منها فلما استنار باطنهم بالعبادة استنار الظاهر بالجلال
والهيبة والعظمة , حتى أنك ترى وصفهم في الكتب السابقة , فالوصف السابق في
التوراة , وأما في الإنجيل فهم كزرع نما وثبت واستقام , يُعْجِبُ من حسنه
الزرّاع لشدة انتفاعهم به , كذلك الصحابة في انتفاع الخلق بهم , وهم مع
قوتهم واجتماعهم يهابهم الأعداء , وقد جمع الله لهم الإيمان والعمل الصالح
والمغفرة والأجر العظيم في الدنيا والآخرة .
يـا عـاذلَ المُشتـاقِ دَعــهُ فَـإِنَّـهيطوى عَلى الزَّفَراتِ غَيْرَ حَشَاكا
لَـو كـانَ قَلبُـكَ قَلـبَـهُ مــا لُمْـتَـهُحَـاشَـاكَ مـمَّـا عِـنـدَهُ حَـاشَـاكـا
لقد كان السَّلف رضي الله عنهم أسرع الخلق لفعل الطاعات والمسابقة لرضى رب
البريات سبحانه وتعالى وكيف لا يكون ذلك وقد رأوا من نبيهم من المسارعة ما
سبق به من قبله وأعجز من بعده صلى الله عليه وسلم .
هدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسارعة
انظر إلى هديه صلى الله عليه وسلم في المسارعة لفعل الخيرات .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ , فَسَلَّمَ ثُمَّ
قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ
نِسَائِهِ , فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ,
فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ : ذَكَرْتُ شَيْئًا
مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ
بِقِسْمَتِهِ .(14 )
فانظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم لما تذكر شيئا من الصدقة أسرع وبادر
إلى إخراجه صلى الله عليه وسلم , حتى فزع الصحابة لسرعته صلى الله عليه
وسلم , بل في جميع الطاعات وكل القربات كان صلى الله عليه وسلم له السبق
رغم أن الله غفر ذنبه ومحا خطاياه .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى
تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ , فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ , قَالَ : أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا
, فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ .( 15)
أخي الحبيب : هذا نداء رب العالمين , ومنهج خير المرسلين في المسارعة لفعل
الخيرات , والمسابقة بالطاعات , وكذلك كان الصحابة ومن بعدهم أحرص الناس
على ذلك .
أبوبكر رضي الله عنه
وهذا أبو بكر رضي الله عنه ضرب أعظم المثل في المسابقة والمسارعة لفعل الخيرات ؛ حتى أعجز من بعده أن يلحق به .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا , قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا , قَالَ : فَمَنْ تَبِعَ
مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: أَنَا , قَالَ : فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ
الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا
, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا
اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ .(16 )
بين أبي بكر وعمر
وهذا عمر يتمنى أن يسبق أبا بكر يومًا في طاعة ؛ فما استطاع إلى ذلك سبيلا .
عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَال : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
يَقُولُ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا , فَقُلْتُ : الْيَوْمَ
أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا , قَالَ : فَجِئْتُ
بِنِصْفِ مَالِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ؟ قُلْتُ : مِثْلَهُ , وَأَتَى
أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ , فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ مَا
أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ؟ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ,
قُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا .(17 )
ويحاول عمر أن يسبق أبا بكر ببشارة لعبد الله بن مسعود , فيجد أبا بكر قد سبقه إليها .
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا
مَعَهُ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَخَرَجْنَا مَعَهُ , فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ ,
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ
قِرَاءَتَهُ , فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ
الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ
أُمِّ عَبْدٍ , قَالَ : ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو , فَجَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ : سَلْ
تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ , قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ :
وَاللَّهِ لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُبَشِّرَنَّهُ , قَالَ :
فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ
سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَبَشَّرَهُ , وَلَا وَاللَّهِ مَا سَبَقْتُهُ إِلَى
خَيْرٍ قَطُّ ؛ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ .( 18)
فقد كانا رضي الله عنهما في منافسة مستمرة ومسارعة للخير حتى أصبح الأمر
عندهما يقين فلا تتدافع إليهما الوساوس والظنون والغائب حاضر والأمر
عندهما مصدق رضي الله عنهما .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى
بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا ,
خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ , قَالَ : آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ , وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً , فَتَبِعَهَا الرَّاعِي , فَقَالَ
لَهُ الذِّئْبُ : مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا
غَيْرِي ؟! قَالَ : آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ , قَالَ
أَبُو سَلَمَةَ : وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ .( 19)
عثمان رضي الله عنه
وهذا عثمان رضي الله عنه ؛ ما من سبيل فيه مسابقة إلا وكان في المقدمة .
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ , قَالَ : لَمَّا حُصِرَ
عُثْمَانُ , أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمَّ قَالَ :
أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءَ حِينَ
انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
اثْبُتْ حِرَاءُ , فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ
شَهِيدٌ ؟! قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ : مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً
وَالنَّاسُ مُجْهَدُونَ مُعْسِرُونَ , فَجَهَّزْتُ ذَلِكَ الْجَيْشَ ؟!
قَالُوا : نَعَمْ . ثُمَّ قَالَ : أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ , هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْرَ رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ
إِلَّا بِثَمَنٍ ؛ فَابْتَعْتُهَا فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
وَابْنِ السَّبِيلِ ؟! قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , وَأَشْيَاءَ
عَدَّدَهَا .( 20)
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه
وهذا عليٌ رضي الله عنه ؛ يَشْهَدُ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقبولِ والفتح .
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ :
لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ,
فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى , فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ
يَرْجُو أَنْ يُعْطَى , فَقَالَ : أَيْنَ عَلِيٌّ ؟ فَقِيلَ : يَشْتَكِي
عَيْنَيْهِ , فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ
مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ , فَقَالَ :
نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا , فَقَالَ : عَلَى رِسْلِكَ
حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ , ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ,
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ , فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى
بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ .(21 )
أبو دجانة رضي الله عنه :
وهذا أبو دُجَانَة رضي الله عنه ؛ يقفُ مع الصَّحَابةِ في موضعِ منافسةٍ فيكون له السَّبقُ في ذلك .
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ : مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا ,
فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ : أَنَا أَنَا
, قَالَ : فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ ؛ قَالَ : فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ ,
فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ : أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ
, قَالَ : فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ .( 22)
عكَّاشة بن محصن رضي الله عنه :
وهذا عكَّاشة بن محصن رضي الله عنه حينما يسمع عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ؛ سارع بطلب الدعاء أن يكون منهم .
عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ
إِضَاءَةَ الْقَمَرِ , فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ
يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ قَالَ : ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ
مِنْهُمْ , ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَقَالَ : رَسُولُ
اللَّهِ سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ .( 23)
صحابيٌّ أنصاري :
وهذا رجل من الأنصار يسابقُ إلى إكرام ضيف رسول الله صلى الله عليه , دون أن يَعْلَمَ ما عنده من طعام .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ رَجُلًا أَتَى
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ
فَقُلْنَ : مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ , فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا , فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى
امْرَأَتِهِ , فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي
, فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ وَنَوِّمِي
صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً , فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا
وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا , ثُمَّ قَامَتْ
كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ , فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ
أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ , فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ :
ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا , فَأَنْزَلَ
اللَّهُ : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}
.(24 )
سُهيل بن عمرو رضي الله عنه :
وهذا سُهيل بن عمرو - والد أبي جندل - وكان من سادات قريش وخطبائهم ,
تدارك ما فات من عمره في الكفر , وسارع لرضا الله سبحانه وتعالى حتى نال
مكرمة عظيمة عند المسلمين .
فمن حِلْمِهِ وصحة إسلامه ؛ أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش ؛ فيهم أبو
سفيان , فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم , واستأذن بعدهم فقراءٌ من
المسلمين فأذن لهم , فقال أبو سفيان : عجبًا يؤذن للمساكين والموالي ؛
وكبار قريش واقفون , فقال سهيل : اغضبوا على أنفسكم ! فإن الله دعا هؤلاء
فأسرعوا , ودعاكم فأبطأتم , والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خيرٌ من
هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب , ولا أرى أحدا منكم يلحق بهم إلا أن
يخرج إلى الجهادِ لعل الله يرزقه الشهادة , فخرج سريعا إلى الشام رضي الله
عنه . وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يُقرئه القرآن فعَيَّره بعضُ
قريشٍ , فقال سهيل : هذا والله الكِبر الذي حال بيننا وبين الخير .( 25)
وكان سهيلٌ بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة , خرج بجماعته إلى الشام
مجاهدا . ويقال : إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير , وكان كثير البكاء
إذا سمع القرآن . وكان أميرًا على كردوس ( 26) يوم اليرموك .
قال المدائني وغيره : واستشهد يوم اليرموك , وقيل مات في طاعون عمواس .(27)
[من كتاب العبادة واجتهاد السلف للشيخ حفظه الله]
( 1) صحيح : رواه الترمذي (2335) وقال : حديث حسن صحيح , وأبو داود (4558) وابن ماجة (4160) وأحمد (2/161)
(2 ) رواه مسلم (118)
(3 ) رواه البخاري (6412)
( 4) رواه مسلم (2664)
( 5) سير أعلام النبلاء (4/540)
(6 ) سير أعلام النبلاء (8/114)
( 7) حسن : رواه أحمد (2/188)
( إناء يوضع فيه الماء
( 9) البيهقي"شعب الإيمان" (3/166)
(10 ) حسن : رواه الترمذي (2450) , الحاكم (4/308) وصححه ووافقه الذهبي انظر الصحيحة (2335)
( 11) حلية الأولياء (6/272)
( 12) حلية الأولياء (6/271)
( 13) البيهقي "الزهد الكبير" (781)
(14 ) رواه البخاري (851)
(15 ) رواه البخاري (4837) مسلم (2820)
(16 ) رواه مسلم (1028)
(17 ) حسن : رواه الترمذي (3675) الدارمي (1660)
(18 ) حسن : رواه أحمد (1/25)
(19 ) رواه البخاري (2324) مسلم (2388)
( 20) حسن : رواه الترمذي (3699) النسائي (6/263) أحمد (1/187-188-189) , انظر الصحيحة (875)
( 21) رواه البخاري (2942) مسلم (2406)
(22 ) رواه مسلم (2470)
(23 ) رواه البخاري (5811) مسلم (216)
(24 ) رواه البخاري (3798) مسلم (2054)
(25 ) ابن العماد "شذرات الذهب" (1/30)
(26 ) الطائفة العظيمة من الجيش .
( 27) سير أعلام النبلاء (195)